يقول: "والمقصود أن
الفلاسفة اسم جنس لمن يحب الحكمة ويؤثرها"، هذا هو الأصل أن
الفلاسفة اسم جنس عام لكل من يحب الحكمة ويؤثرها، ولذلك لما سئل
أبو العلاء عن الشعراء الثلاثة المشاهير:
المتنبي، و
أبي تمام، و
البحتري، وقد كان
أبو العلاء فيلسوفاً ملحداً زنديقاً، لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر ولا بالملائكة ولا بالكتب ولا بالنبيين، فلما أراد أن يصنفهم قال:
المتنبي و
أبو تمام حكيمان، وإنما الشاعر
البحتري . لأن
المتنبي و
أبا تمام يأتيان بالحكمة في كلامهما، كقول
المتنبي :
الرأي قبل شجاعة الشجعان هو أول وهي المحل الثاني
أي: أن الرأي قبل الشجاعة، وهذه حكمة طيبة، وكثير من شعر
أبي تمام حكم، كقوله:
أما والله ما في العيش خير ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
فيقول
أبو العلاء : إن الشاعر هو
البحتري، أما
المتنبي و
أبو تمام فهما حكيمان، يأتيان بحكم تقبلها العقول، لكن الشاعر هو
البحتري الذي يعبر عن مشاعر النفس، وعن أمور ليست مجرد كلام عقلي تقبله العقول، فـ
البحتري شاعر لا يخاطب العقل فحسب، وإنما يخاطب الوجدان والشعور.
الشاهد: أن الفلسفة اسم جنس عام لكل من يحب الحكمة، ولذا كان
المعري يسمى: فيلسوف
المعرة، وأحياناً إذا قرأت بيتاً من شعره تجد أنه قد كتب تحته: فيلسوف
المعرة، وهو
أبو العلاء المعري الزنديق الملحد.
يقول
ابن القيم: "وقد صار هذا الاسم" أي: اسم
الفلاسفة "في عرف كثير من الناس مختصاً بمن خرج عن ديانات الأنبياء، ولم يذهب إلا إلى ما يقتضيه العقل في زعمه"، وهذا هو المشهور الآن عالمياً، فعندما يقال: فيلسوف؛ فإنه يعني الذي خرج عما عليه الأنبياء، فهو لا يؤمن بالأديان وإنما يؤمن -في نظره- بالعقل، ولهذا أول ما بدأ الإلحاد عند الغربيين كان عن طريق
الفلاسفة، وأشهر ملاحدة الغربيين هم فلاسفتهم، فإذا قلنا: فيلسوف؛ فإن معناه: أنه لا يؤمن بـ
النصرانية، ولا يؤمن بما في الإنجيل، وإن قال: إنه فيلسوف نصراني، فهو من باب النسبة فقط، لكنه هو خارج عما في الأناجيل، وعما في العهد القديم والجديد، ولهذا يسمونه: المفكر الحر، و
الفلاسفة يسمون: المفكرين الأحرار؛ لأنهم تحرروا من سلطة الكنيسة ومن قبضة الدين التي كانت تفرض عليهم.